بيت خليل السكاكيني في القطمون-القدس

بيت خليل السكاكيني في القطمون
“في صباح الثلاثين من أبريل/ نيسان 1948 غادر المربي والأديب الفلسطيني خليل السكاكيني(1878_1953) وعائلته مضطرين منزله في حي القطمون للسير في طريق اللاجئين. كان الحي كسائر أحياء القدس الغربية قد افرغ من سكانه جراء القصف الصهيوني تحت رعاية الانتداب البريطاني. بعد يومين وجد خليل قسطندي السكاكيني، كاتب وباحث فلسطيني شهير، نفسه وابنتيه دمية وهالة في فندق فيكتوريا في القاهرة يصغون للمذياع وهو يخبر بسقوط حارته بيد اليهود. كان السكاكيني قبل أن يجد نفسه وأسرته في القاهرة لاجئا في السبعين من عمره عند التهجير، لكنه معروف في كل أرجاء الوطن العربي بصفته أحد مؤسسي التربية الوطنية وأول مشاريعه بناء المدرسة الدستورية عام 1909، التي اعتمدت منهجية تعليم متجددة تحرم العقاب وتلغي الوظائف البيتية والشهادات وتؤمن بالعلاقات الاجتماعية المفتوحة بين التلاميذ ومعلميهم.
دمية وهالة
وبشهادة ابنتيه دمية وهالة بنى السكاكيني منزله عام 1937 وأسماه الجزيرة، فيما دعيت غرفه صنعاء، دمشق، بغداد، قرطبة، وقد تركت داخله كافة محتوياته خاصة أعزها على قلبه كتبه كما يؤكد في مذكراته. ويصف النص من تحت الصورة كيف شتت النكبة عائلة السكاكيني، رحل خليل السكاكيني عام 1953 حزينا ومتألما ثلاثة شهور بعد رحيل نجله الشاب، سري، فدفنا في القاهرة، فيما كانت الأم توفيت قبل النكبة ودفنت في القدس، فعادت الشقيقتان دمية وهالة لما تبقى من فلسطين، إلى رام الله.
الجزيرة
واغتنمت الابنتان الفرصة عام 1967 فقامتا برحلة الحنين لحي القطمون فوجدتاه قد تحول لحي يهودي “جونين”، فيما صار المنزل نزلا وروضة أطفال لمنظمة صهيونية. ومن هناك زارتا مكتبة الجامعة العبرية في القدس، حيث نقلت مكتبة والدهما، فاستقبلهما أمين المكتبة بأدب وقال وفق شهادتهما: “من غير الممكن استعادة أي منها، فهي كالبيوت والأراضي باتت أموالا متروكة تملكها إسرائيل”.
ورفض طلبهما برؤية الكتب، ملامستها وتصفحها ووافق على عرض كتاب واحد فقط، فعرض عليهما بناء على طلبهما كتاب “البخلاء” للجاحظ.
تقول الابنتان: "سمح لنا بتصفح الكتاب وهو يمثل أمامنا وكأن لصا خطرا قبالته منتظرا إعادة الكتاب.. ولم يكن والدي يكتب اسمه على كتبه لكنه خطه كان مميزا”. ومن وقتها لم تكرر هالة ودمية رحلة البحث عن الذكريات والحنين، فزيارة واحدة كانت كافية جدا بما أثارته من مشاعر وفتحته من مواجع.
بداية المشوار في القطمون
وفي البدايات كتب الأديبُ خليل السكاكيني لابنه سريّ المغترب للدراسة في أميركا في 3 أيار/ مايو 1934 يُبشّره: "اعتمدنا بعد الاتكال عليه تعالى أن نشتري قطعة أرض نبني فيها بيتاً متواضعاً نأوي إليه بعد أن أُحال إلى التقاعد". خرج السكاكيني بعد هذا الاتكال مع زوجته وابنتيه وبعض الأصدقاء في موكب إلى القطمون، غرب القدس المسوّرة، حاملين خرائط أراضيها إلى أن وقع اختيارهم على واحدة "إلى الشمال من القطمون هي ملك أحد الرهبان.
لا يفوت السكاكيني أن يصف لابنه حماسة أمّه سلطانة بقرب انتهاء معاناة الانتقال من بيت مستأجر إلى آخر، والاستقرار أخيراً في بيت مملوك، فيقول: "لقد كادت أمك تنقل الأثاث إلى قطعة الأرض التي أمامنا فتُعلق حبلاً على شجرة الصنوبر الكبيرة وتترجح وتزغرد". تأخر بعد ذلك بناء البيت في ظلّ الإضراب الكبير الذي ساد فلسطين الانتدابية وأحداث ثورة 1936، إلا أن الموت حرم سلطانة من التنعم طويلاً بهذا البيت بعد انتهاء بنائه، إذ توفت عام 1939، ولحق هذا الحرمان بزوجها وأولادها بعد أن سقط البيت "الجزيرة" بيد العصابات الصهيونية.
نشعر ونحن نقرأ تلك الرسائل في يومياته المنشورة "كذا أنا يا دنيا"، بالرمزية الدافئة والعميقة التي يُمثِّلُها بناء البيت في وجدان السكاكيني، باعتباره حيزاً عائلياً حيّاً نابضاً تتجسد فيه بعض أحلام الطبقة المتوسطة المثقفة المتشكلة في القدس آنذاك. فهو يريده على "أحسن حال" وهيأ له "أعظم الحدادين والنجارين". يشاركنا هذا العمق قائلاً: "لم أكن أفكر قبل اليوم أن تكون لي دار، وأما في هذه الأيام فإني أحسب أن بناء دار متواضعة هو السعادة كلّها. إذا كانت لنا دار فمهما كان دخلنا قليلاً استطعنا أن نعيش راضين مطمئنين، وإذا رحلتُ عن هذا العالم بعد أو أوفيكم حقّكم من العلم والثقافة وأهيئكم للحياة، وكانت لكم فوق هذا دار تسكنونها، ذهبت راضياً مطمئناً مجبور الخاطر بعد عمر طويل إن شاء الله.....
من صفحة فيس بوك وديع عواودة